لنتفق اولاً ان كلمة جنون كلمة غير طبية إجمالا. ولكن مثل هذه الفكرة نستطيع أن نصفها بالهاجس الذي يساور ذهن الأغلبية ممن يعانون من صعوبات نفسيه ؛ فكثير من الأفرد الذين يعانون قد تشغلهم هذه الفكرة إلا أنهم لا يجرؤون على طرح هذه الفكرة أو الحديث عنها خوفاً من أن يصِمُهُم الآخرون بمثل هذا آو يضعون حواجز للتعامل معهم مما يزيد الصعوبات والضغوط الإجتماعية والإنسانية عليهم، ولأن الموضوع نادراً ما يُـثـَـار أو يُــنَــاقش بين الناس يظل هناك حاجة للوعي والإدراك عن مدى شيوع مثل هذه الصعوبات النفسية وملازمة هذه الفكره لها في كافة المجتمعات باختلاف خلفياتها الثقافيه والعقديه والاجتماعيه، ومثل هذا الوضع يزيد من التحفظ وعدم الرغبه لمشاركة هذه المخاوف مما يزيد من القلق والضغط النفسي على حامله وهي دائره مفرغة تستمر ويستمر معها الضغط النفسي بشكل مضطرد ومتزايد بكل أسف. وعلى سبيل المثال فمرض الاكتئاب او أمراض التوتر من شأنها أن تغير آلية الإحساس في ذهن من يعاني منها فتخضع احاسيسه لأفكاره السلبية والسوداوية والوجِلة فتمنحه مزيداً من اليأس والخوف من فقدان العقل والحكمة والسيطرة وقرب الإنهيار العصبي. مثل هذاالشعور والخوف من فقدان السيطرة هو عادة ما يساء تفسيره على أنه اتجاه للجنون. وهكذا مثلا نجد أن الأشخاص الذين يعانون من إضطراب الوسواس القهري يفزعون من فقدان السيطره على اذهانهم بسب عدم إقتناعهم بما يفعلونه بشكل مكرّر ودرايتهم أنهم برغم عدم إقتناعهم إلا أنهم لايستطيعون مقاومة الرغبة في مثل هذه الأفعال مما يجعلهم يشعرون أنهم فعلا على وشك أو قد فقدوا فعلاً السيطره على أذهانهم ووعيهم.
الأمراض النفسية هي الحالات الطبية التي تؤثر على مقدرات الفرد من تفكير، شعور، استقرارالمزاج، التفاعل الأجتماعي والتواصل مع الآخرين، والأداء اليومي. باختصار، الأمراض العقلية هي الحالات الطبية التي غالبا ما تؤدي إلى ضعف القدرة على التكيف مع متطلبات الحياة العادية.
انه من الصعب لوجود الوصمة الاجتماعية المرتبطة بها. هذه الوصمة في واقع الامر نتاج الأسطورة وسوء الفهم.التي اورثت للناس الخوف والموقف السلبي الرافض لأولئك الذين يعانون من اي مرض نفسي. ونتيجه لمثل هذا الموقف بات المجتمع لا ينظر المرض النفسي والمرض الجسدي بنفس الاعتبار علماً انه بالإمكان للمريض أن يتعافى من المرض النفسي لقيادة حياة كاملة ومتوازنة ومنتجه تماما كمن يعانى من امراض القلب ويصل للتشافي منها بالعلاج المناسب والرعايه الطبيه الدقيقه.
كثيراً ما يتساءل الفرد هل أنا طبيعي. والصعوبة هنا هي أنه في المهن الصحية العقلية لم يتم الإلتقاء او الأتفاق لإنشاء تعريف للحياة الطبيعية. قد يكون هناك شبه اتفاق على تصنيف السلوك الغير طبيعي ولكن أي نقاش لتحديد ماهية “ الطبيعي” سرعان ما يصبح مثير للجدل. ولعل أفضل ما يمكن أن يُقال هنا في هذه النقطه من الأختلاف أن الحياة الطبيعية هي غياب الأوضاع والسلوكيات الغير طبيعيه ولذلك ربما من الأجدى ان نسأل ما إذا كان أحدٌ ما سعيد ، متوازن وفي صحه جيده وليس ما إذا كان “ طبيعي”.
مع تقدم العلم والبحوث العلميه المقننه، اصبح المختصين بالصحه النفسيه والعصبيه عموما على درايه وفهم اكثر عن الدماغ من اي وقت سابق. وجدالعلماء من خلال الأبحاث العلميه العصبيه والدراسات أن معظم الناس الذين يعانون من أمراض العقلية لديهم الاستعداد لتلك الأعتلالات أو الأمراض، تماما كما العديد من الناس لديهم نزعة إلى مرض السكري أو الربو. مثل هذه النزعه او الميول ليست ضعف الشخصية على سبيل المثال، قد يكون هناك فرق عشوائي في كيفية التطور والنمو العصبي للدماغ، أو قد يكون هناك اسباب وراثيه بحته خصوصا اننا نجد ان مرض الإكتئاب او بعض امراض التوتر تنتشر بين افراد اسرة المصاب بهذه الاعتلالات ويجب ان لاننسى التداخل او الإختلاط البيئي-الوراثي وتأثيره المباشر على خلق مثل هذه القابليه للإصابه بالأمراض النفسيه. هناك نظريات وفرضيات كثيره تحاول تفسير مسببات الأمراض النفسيه منها فرضيات تعتمد على بعض الانظمه الكيميائيه في الدماغ، إختلال بعض الأنظمه الهرمونيه، المورثات الجينيه ، أو العوامل البيئيه بما فيها التنشئه والتربيه والصعوبات الحياتيه التي قد واجهها المرء ولذلك نحن لا نستطيع القول بالتحديد او التأكيد على فهم شامل قد يفسر ما يبعث هذا الاستعداد في معظم الناس ولكن نحن نعلم أن معظم الأمراض النفسية متجذرة في طريقة عمل الدماغ وليس في ما إذا كنت شخص جيدً وصاحب شخصيه قويه او غير ذلك.
الطب النفسي هو تخصص طبي مثل الجراحة والطب الباطني أو طب الأطفال. ولذلك تخرج كل الأطباء النفسيين من كلية الطب وهي M.D. قبل اتخاذ تدريب إضافي (عادة اربع سنوات أو أكثر) في برنامج تدريبي سريري( أو إكلينيكي ) في الطب النفسي. أما الإخصائي النفسي السريري فهو متخصص بدايةً في علم النفس ومن ثم ينخرط في برامج تدريب سريري مكثف للاشراف والمتابعه للافراد الذين يعانون من الإعتلالات النفسية إلا أنه لايحمل الدرجة الطبية ويقتصر علاجه على الجلسات النفسية والسلوكية علماً أن هناك في بعض الدول المتقدمه في أمريكا الشماليه مثالاً دورات متقدمة قد تمنح الأخصائي النفسي رخصة صرف الادوية.
الطبيب النفسي يعالج الأفراد الذين يمرون بكرب او مِحَن نتيجة الصعوبات المختلفة، بما في ذلك الإكتئاب، والقلق، والإرتباك، وبعض المشاكل السلوكية، مثل تلك التي تنطوي على النفس من نزعات تدميرية أو عنيفة كالأفراد الذين تخالجهم افكار لإلحاق الضرر بانفسهم كالإنتحار على سبيل المثال . مثل هذه الصعوبات العاطفية والعقلية قد تحدث بسبب الأوضاع المادية ، الإجتماعية أو الوظيفية. ويقف الطبيب النفسي هنا لفهم وإحتواء هذه الصعوبات وأخذها بعين الإعتبار عند علاج الفرد الذي يعاني من إعتلال نفسي تبعاً لمثل هذه الضغوط.
بشكل عام اي انسان مُعرض ان يواجه مراحل صعبه او ازمه في حياته وقد تشعره هذه الصعوبات او الأزمات بشيء من الحزن أو الغضب إلا أن مثل هذه الفترات سرعان ماتمضي بدون أي أثر مستمر على قدرته في عطاءه والإلتزام بواجباته. عندما تصل بالفرد مثل هذه الصعوبات إلى تغيير نمط حياته اليوميه بشكل سلبي مثل إضطرابات النوم الشديده, اضطرابات عادة الأكل، انماط تفكير مختلفه وغير منطقيه مثال ذلك الشك في الآخرين او ان هناك من يتربص بك او يراقبك، أو زيادة العصبيه وسهولة الإستثاره وفقدان الهدؤ عند ابسط مشكله عابره أو ضعف في الإلتزام بالواجبات اليوميه أو التغيير السلبي المتزايد في القدره على تلبية الواجبات الوظيفيه أو الإجتماعيه أو العائليه، في مثل هذه الأوضاع من الأفضل التوجه للمختص لتقييم هذا الوضع النفسي الجديد ومدى الحاجه لأي تدخل علاجي نفسي.
إن معظم الناس المصابين بأمراض نفسيه الذين تم تشخيصها و معالجتها يستجيبون بشكل جيد ويعيشون حياة منتجة وناجحه وسعيده كذلك. والكثير منهم لم يعاني من نفس المشكلة مرة أخرى، على الرغم من أن البعض سوف يشهد انتكاسة الأعراض. إلا انه من المهم ادراكه هو أن هناك مجموعة من العلاجات الفعالة للغالبيه من هذه الامراض.
الأدوية النفسية هي مفيدة وملائمة لبعض الظروف، مثل الإكتئاب الحاد و إضطرابات المزاج الأخرى، أو القلق .. ومع ذلك، فهي بالتأكيد ليست ضرورية في كل حالة. ويتم تدريب الأطباء النفسيين للتعامل مع الجوانب النفسية والشخصية للفرد الذي يعاني من إعتلالات نفسيه وطريقة تعاطيه للصعوبات وتعامله مع الضغوط ومصادرها المختلفة، وفي كثير من الأحيان قد يكون العلاج النفسي والجلسات السلوكية وسيله علاجية مناسبه وكافية كذلك.
على الرغم من أن التجارب أثبتت أن بعض أنواع الاكتئاب المزمن أو المتكرر وغيرها من الإضطرابات النفسيه قد تستجيب بشكل أفضل لفترات علاجيه أطول إلا ان الأدويه بشكل عام تخضع لمعايير موضوعه من قبل منظمات عالميه للصحه النفسيه وتضع في عين الإعتبار كل إضطراب نفسي ومايناسبه من أدويه ومدة إستخدام هذا االدواء بشكل مقنن . ولابد أن ننبه بأن الأفراد الذين يعانون ويحتاجون مثل هذه الإدويه قد تختلف نسبة تجاوبهم وتفاعلهم مع الأدويه فالبعض قد يستجيب بشكل جيد ونسبه عاليه والبعض الآخر قد لايستجيب بشكل جيد مما يستدعي الرجوع لمثل هذه المعايير والتعامل مع مثل هذه المشاكل في العلاج حسبما اتُفُق عليه بناء على مراجعة الدراسات العلميه التي أفرزت مثل هذه القوانين. هناك ايضا أمر آخر لايقل اهميه وهو أن غالبية الأمراض النفسيه تعمل بصبغة الأمراض المزمنه والتي تحمل في حقيقتها نزعة الإنتكاس بعد التشافي والرجوع للإعتلال من جديد كالإكتئاب او امراض التوتر مما يقضي بالرجوع إلى تناول الأدويه في محاوله أخرى للتشافي من مثل هذه الإنتكاسات . في النهايه يبقى قرار، مدة، مدى، وكمية إستخدام هذه الأدويه خاضع للمعايير الطبيه العالميه في مثل هذا الإجراء والمبنيه على حالة المريض ونوع المرض وما إذا كانت هناك إضطرابات أخرى مصاحبه للمرض وما إذا كان أول ظهور للمرض او إنتكاسه وهذا يحدث بإشراف ومتابعه طبيه دقيقه ومستمرة.
الإدمان عباره عن متلازمة سريرية تتميز بسمات مرضيه (مادة مهمة بشكل غير طبيعي للفرد وتصبح هذه الماده والحصول عليها واستخدامها هاجس مهيمن على تفاصيل الحياه اليوميه)، سلوك البحث الدؤوب عن الماده المخدره، فقدان الأمانة والسلوك الاخلاقي، استمرار الاستهلاك على الرغم من النتائج السلبية. الإدمان، وبعبارة أخرى، حاله معقده في التعامل بين الفرد وبين هذه الماده من سلوكيات. للإدمان اسباب وراثيه تتشارك مع اسباب بيئيه كذلك. الأدويه النفسيه في الأغلب لاتحمل القدره على دفع الإنسان للإدمان عليها ولكن تبقى نسبه قليله من هذه الادويه كالمهدئات وبعض المنومات تحمل في قدرتها خطر كامن للإدمان ولهذا ينأى الاطباء النفسيين عن استخدام مثل هذه الادويه إلا في الحالات الطارئه أو إستخدامها في مرحله علاجيه قصيرة المدى وتكون تحت إشراف ومتابعه حثيثه بين الطبيب والمراجع.
هذه هي مشكلة مشتركة للكثير من مقدمي الرعاية النفسيه او افراد اسرة المريض او اصدقائه المقربين وهم يدركون أن المريض يعاني من مشكلة نفسية ولكن يرفض المساعدة. ليس هناك طريقة معينة لمعالجة هذه القضية، ولكن ثمة مقترحات وافكار متعددة يمكن استخدامها. في البدايه حاول ان تخبر من يهمك امره ويحتاج ان يتجه للمختص النفسي أنك تحتاج لحوار خاص معه وأحذر من الحديث معه في مثل هذا الأمر امام الأخرين، برر حديثك معه بدافع المحبه والأهتمام وكُن مستعداً لردة فعله من حزن أو خيبة امل أو حتى عصبيه، أُطلب منه ان يثّمن العلاقه بينكما بالإستجابه إلى رغبتك في مساعدته، أخيراً حاول أن تساعده في إيجاد موعد قريب للمختص لتقييم حالته والنظر في الحلول المتاحه. إن لم تستطع الوصول لإتفاق معه لربما هناك خطوات اخرى:
١) محاولة طلب المساعده من شخص لديه بعض التأثير على المريض للتحدث معه
٢) أخبر المريض أن يذهب في موعد واحد فقط مع الطبيب النفسي ومن ثم يعطيه الخيار ما إذا كان يريد الذهاب مرة أخرى أم لا.
٣) حاول ان توجه المريض لزيارة الطبيب من اجل عرض الصعوبات التي تجد المريض نفسه متحفز ان يعمل على اصلاحها وتجنب الحديث عن مالا يريد المريض الحديث عنه او مشاركته مثال ذلك ان يذهب لبحث مشاكل النوم والعصبيه دون التحدث عن المشاكل الزوجيه.
٤) شعور المريض بأنه لايعاني من اي مشكله نفسيه يعتبر ضعف في البصيره وهذا بحد ذاته يعتبر إشاره مهمه لإحتمالية وجود مشكله نفسيه حقيقيه وفي هذه الحاله قد يكون هناك صعوبه حقيقيه في إقناعه بزيارة الطبيب.
٥) إذا فشلت كل الأساليب والمريض يتصرف بشكل قد يكون مقلق وخطر فعليك ان تبادر بطلب المساعدة من الجهات المختصه الطبيه او أي جهه رسميه مخوله اخرى كالأمن مثلا طبقا لقوانين الصحة العقلية ( إن ُوجِـدت) لحماية المريض بفرض العلاج طبقا للقانون ضد رغبته الشخصيه واستقلاليته في اتخاذا قراراته الحياتيه إن كان هناك مايدعو طبياً لحجب هذا الحق مؤقتاً.
لايوجد على وجه التحديد شخص بمنآى عن الأمراض النفسيه. قد يكون هناك بعض الميول للإصابه بمرض دون غيره ، على سبيل المثال لا الحصر إضطرابات الأكل تميل إلى أن تحدث في كثير من الأحيان في الإناث، واضطرابات أخرى مثل الفصام قد يتساوى مدى حدوثها إلى حد ما بين الجنسين لكن الخلاصه بشكل عام مفادها أن الأمراض النفسية يمكن أن تؤثر على أي شخص بغض النظر عن أي إعتبارات عمريه،إجتماعيه، دينيه، عرقيه، أو إقتصادية.